الكاتب أبو عبيدة السيد قصة بعنوان غائث ومستغيث
#غائث_ومستغيث
استيقظ في ساعة مبكرة لا يستيقظ فيها فخرج إلى الصلاة مبكرا فتجول في طرقات جانبية لا يمشي فيها في العادة لكي يقضي الوقت ويطيله وهو يعيش مع مسبحته يذكر الله ويدعوه في هذا الظلام الحالك وفي هذا السكون كأنها خلوة لا يشاركه فيها أحد مع ربه.. وهو على هذه الحال يسيح في ملكوت الله يشعر بمعية الله وقربه منه.. إذا به يرى رجلا قد انزوى في إحدى جنبات الطريق مغبر الوجه أشعث الرأس رث الثياب يسمع نهنهته وتأووه من بعيد.. فاقترب منه وإذا به يجري الدمع من عينيه.. ابتلت لحيته والأرض من تحته.. شارد الذهن.. لا يشعر بأحد.. يتمتم ويهمهم بأدعيته التي لا يسمعها وهو منه قريب.. فوقف لا يدري ما يفعل وما الذي حل بهذا الرجل حتى يصل إلى تلك الحالة.. ثم بعد وقت من الحيرة يأخذ القرار فيربت على كتفه بيد حانية ويسلم عليه ويقول له أي كان ما حدث فقد انقضى وسيزول فأخبرني عن حالك وماذا حل بك.. فشهق الرجل شهقة تكاد تزهق منها روحه ثم بدأ حديثه.. أبربك سينقضي ويزول.. فرد عليه.. نعم انقضى وسيزول ألمه إن شاء الله.. قال له لا أعتقد أن ألمه سيزول.. فهاله أمر الرجل ما الذي حل به حتى يوصله إلى تلك الحالة التي أوصلته إلى هذا اليأس وجعلته ينفض يده وأمله من الدنيا وما فيها.. ما بك أخبرني.. فنظر إليه بعينيه المملوئتين بالدموع وقال سأخبرك.. لقد كنت رجلا ميسور الحال منَّ الله علي بالمال والعيال وزوجة جميلة.. كنت أعيش أنا وأسرتي في أحسن حال مطمئنين البال.. لا ترهقنا المعيشة ولا يشغلنا مستقبل ولا حال.. ثم ومن غير مقدمات قل المال وكثرت الديون وتكدست طلبات العيال.. ودالت بنا الأحوال وتحولت الدنيا وتبدلت.. فخسرت كل شيء.. وانفض من حولي من كانوا حولي.. ولم يعد لي إلا صحتي فلم أستسلم وسعيت أطلب رزقي ورزق زوجتي وعيالي.. ولكن متطلبات الحياة كانت أكثر مما أستطيع تحصيله.. ثم شاء الله أن تفارقني صحتي.. فمرضت فلم أعد أستطيع العمل.. وعيالي صغار وزوجتي لا تستطيع الانشغال عنهم بالخروج والعمل.. فضاقت الدنيا بنا أكثر وأكثر.. حتى سمعت صوت أولادي بالأمس يبكون من الجوع فخرجت أتخبط لا أدري ما أفعل وعجز دماغي عن التفكير ولا أملك الشجاعة أن أعود خائبا صفر اليدين ومر علي الأمس بليلته وأنا هكذا حتى انزويت في هذا الطريق قد ضاقت بي الدنيا وأعجزتني الحيل.. حتى ألهمني الله الدعاء فمازلت أكرر.. يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين.. يا مغيث أغثني.. فضحك الرجل وقال سبحان من أغاثك في عتمة هذا الليل البهيم الحالك.. فأخذ بيده وأعطاه مما تفضل الله به عليه.. فمسح به الله دموعا أبكتها الدنيا وأعاد به الله الأمل إلى قلب جففه اليأس.. فلا يملك الإنسان لنفسه ضرا ولا نفعا ولا يدري متى يحتاج الغوث ولا متى يكون غوثا.. فسبحان من بيده ملكوت السماوات والأرض ومن يقول للشيء كن فيكون.. فاللهم يا غياث المستغيثين أغثنا.. يا مغيث أغثنا.. يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين..
#خاطرة
#أبوعبيدة_السيد
#قصة_قصيرة
تعليقات
إرسال تعليق