الفائز الأول في مسابقة القصة القصيرة الكاتب هيثم الزهاوي قصة بعنوان بين الحقيقة والخيال
( قصة قصيرة )
( بين الحقيقة والخيال )
هيثم الزهاوي
غالبا ماتهجم عليً الكأبة حين أكون وحيدا ، فأنا صيد سهل المنال لألاعيبها وطرقها الملتوية ، أنا ومن على شاكلتي مُصابون بأرق الأحلام والتمني ، نعيش حياتنا نتوقع الاسوء في كل موقف نمر به مهما كان ذاك صغيرا أو حتى تافها ، شيئاً غامضاً يمنعنا من الفرح ، ربما هو الفرح نفسه ، لاننا نعلم ان زيارته لن تدوم طويلا ، اما الحزن ، فهو الزائر الثقيل الذي يطيل اقامته الى حد الضجر ، نحنُ الذين أكلت اللهفة أعمارنا عبثًا بأنتظار من خذلونا برحيلهم ، ولازلنا ننتظر بصبر هو أقرب للمرض الذي يضيف عقدا لاحلول نهائية لها ، أني أتسائل مع نفسي أحيانا وأقول ، الى أين يذهب الإنسان حينما يشعر أن جميع الأماكن لا تناسبه ، وان الاشخاص من حوله يتلاشون وكأنهم لم يكونوا أصلا في حياته ، فتضيق به الدنيا بما رحبت ، المهم أنني في تلك الليلة قررت أن أكسر القاعدة وأخرج ، أخرج من الاحلام الى الواقع ، أن أفعل اي شيء يخالف ماتعودت عليه ( تلك كانت نصيحة اخر دكتور نفسي قمت بزيارته مؤخرا ) ، ان ازرع خنجرا في قلب الوحدة وانتصر ولو في معركة واحدة في حربي الخاسرة دوما معه.( علما باني لم اكن كذلك فيما مضى لكن رحيلها كان السبب ).
المهم أنني أخترت حديقة عامة ،كانت المصابيح فيها تمطر انوارا بألوان الطيف الشمسي فترسم نهارا مبتسما يشع بهجة انا بأمس الحاجة اليها، ادرت بنظري أستكشف مكانا مناسبا أقرأ فيه كتابا او ادعي اني أفعل ذلك ، فكان ذاك المكان فيه مصطبة تحت انوار مظلة وفتاة ، نعم فتاة ، تذكرت سريعا مثلث السعادة في هكذا ضروف ( الخضرة والماء والوجه الحسن ) ، فقلت في نفسي ان لاداعي لاكمال اضلاع المثلث ولاكتفي بالخضرة والوجه الحسن وليذهب الماء حيث يشاء ان يذهب, فتقدمت خطوات بأتجاهها وكان هذا الحوار
عمتي مساءا سيدتي
شو؟
مساء الخير
أها ... اهلا وسهلا فيك
هل تسمحين لي بالجلوس
تكرم عينك أتفضل بس بلاش اتكلمني بالنحوي
بأبتسامة بريئة رددت عليها وقلت
مو تتدللين
قالت
تؤبرني اللهجة العراقية الله شو حلوة
لقد سمعت في مكان ما ان الصبايا الشاميات هن اجمل الصبايا لكن تلك الفتاة كانت بأختصار (جميلة بطعم العسل ) ، فكرت في نفسي وقلت
يبدو ان القدر سيمنحني بعض التهدئة ويبتسم لي ولو للحظات ولا داعي لرفع سقف التوقعات لأنني قررت أن اكسر قواعدي ومن بينها الاحلام والتمني،
اسمي مهندس هيثم وانا شاعر ، هكذا قدمت نفسي لها ، فقالت
ياالله شو بحب العراق واللهجة العراقية ، يمكن كاظم الساهر حببني فيها قالتها مع ابتسامة شهية ، رددت بسرعة مع غناء لايرتقي لحلاوة الموقف ( قولي أحبك كي تزيد وسامتي فبغير حبك لا اكون جميلا ) ، فضحكنا نحن الاثنين وكأننا نعرف بعضنا منذ فترة طويلة ،
ماخبرتيني عن اسمك ؟
نور ... وأسمي بالفيس ياسمين ، وانا من حلب عندك فيس؟
نعم ياليلى
انا قيس وعندي فيس
دار الضحك بيننا وكأننا عاشقين ، ثم اخذنا الحديث لمواضيع كثيرة ، توقفنا كثيرا عند معاناة بلدينا المشتركة مع الارهاب والتوتر الامني وسوء الخدمات ، تكلمنا عن كأس العالم وميسي ومفاجاة المغرب الجميلة ، تكلمنا عن شيرين عبد الوهاب التي احبت زوجها ثم خذلها ثم احبته ثم ، حتى أننا لم نعد نعلم اين أصبحت نهاية قصتها معه ، تكلمنا كثيرا عن كل شيء ، الى أن ادركنا أننا الباقيين الوحيدين في الحديقة فلقد عبرنا منتصف الليل منذ ساعتين وأكثر، أقترحت عليها ان اوصلها لمسكنها فوافقت سريعا لانه قريب ، لكنني لم أعرفه بالتحديد ، مرت الايام وتعددت لقائات الحديقة ( تلك الجنة المصنوعة خصيصا لي ) ، رغم أني طلبت تغيير المكان عدة مرات لكنها كانت في كل مرة ترفض مع شيء من التأسف والاعتذار ، الغريب في الامر أنها كانت تلبس نفس الملابس في كل لقائاتنا المتكررة ، كما انها لم تكن ترد على رسائلي في الماسنجر مع انها هي من طلبت مني الصداقة في صفحتي ، كل تلك التفاصيل الصغيرة التي عشتها معها كانت تنتشل روحي الحائرة وتعطيني مهدئا كالافيون ، حاولت مرارا أن أعرف أسمها الكامل أو عنوانها بالتحديد ، أن أهرب معها الى اي مكان وأن لا أعود لحياتي السابقة ، وفي كل مرة كانت تهرب من الاجابة ، زيادة عن ذلك فأن قلبي كان ممتلئا بحبها الذي جعلني اتغاضى عن الأجابة ، كيف لا و هي وجعي الذي أحب ،
كان الناس العاملين والذين يداومون على زيارة الحديقة يستغربون أستخدامي نفس المكان ويتحاشون التقرب مني وأنا كنت سعيدا بذلك ، الى ان جاء يوم ورأيت ان عائلة كانت تحتل المكان ، ولم استطع الاقتراب منه لأحدد هوية المحتلين او إن كانت موجودة بينهم ، ضللت الف وأدور حول المكان بكثير من التوتر وكأنني أسد اقتحم احدهم حدود مملكته ، فلاحظ العاملون ذلك وذهب احدهم اليهم ودار بينهم حديث جعلهم يسرعون بالانصراف ، لم أفكر بما فعلوه رغم غرابته لكنني بالتاكيد كنت سعيدا بذلك ، فهرعت الى عريني استرده لكن سرعان ما جاء شرطي برفقة أثنين يلبسون ثيابا بيضاء تشبة ثياب الاطباء مكتوب عليها مستشفى الامرض النفسية ،
تعليقات
إرسال تعليق